حرصًا منا على المصداقية و الشفافية جميع المصادر و التقارير المستخدمة في الحلقة ستجدونها مرفقة بالنص

للإطلاع على النص أو لتحميله إضغط هنا

نص الحلقة الأولى | مارقات

السعودية العظمى

حرية، عدالة، تعددية، تمثيل... وكل ما يجعل السعودية عظيمة

هذا الموسم الثالث من بودكاست السعودية العظمى.. فيه نتذكر وندين بالفضل…للمارقات من أسوار القمع… للناشطات لأجل حياة أفضل وأكثر رحمة بالنساء… وللناجيات من العنف…نتذكر في هذا الموسم فضلهم وشجاعتهم… وقوفهم في الصفوف الأولى… وتضامنهم لكسر حواجز الخوف والصمت والفصل والعزلة… وإطلاقهم لصافرات الإنذار ضد القمع والعنف... وفي مشاركة تجاربهم على قسوتها وللوصول لإمكاناتها المبهرة… وفي مد وبناء جسور الدعم في الصحراء القاحلة… نذكّر هنا بالقمع… وبالفضل… وبأن للنساء صوت وقوة لا يمكن تجاوزها ولا يمكن إخمادها…

أنا هالة الدوسري، باحثة وناشطة، أقدم لكم هنا أول حلقة من ثلاث حلقات عن النسوية في السعودية ضمن بودكاست "السعودية العظمى"، من إعداد وتقديم صحافيين مستقلين ونشطاء سعوديين مهتمين بتحسين وضمان الحقوق والحريات...  معي للنقاش في هذا الموسم ناشطتين من السعودية ومقيمات في أمريكا حاليا ملاك الشهري و أماني الأحمدي … معي أيضا هبة زيادين من منظمة مراقبة حقوق الإنسان…  هبة كانت الباحثة المسؤولة عن تغطية اعتقال الناشطات وعن توثيق النشاط النسوي في السعودية بشكل عام

اليوم نناقش: موقف الدولة من حقوق المرأة … لكن من منظار مختلف عن حملات الترويج… من رصد وتحليل تفاصيل ملاحقة واعتقال الناشطات…  وكيف حولتهم السعودية الجديدة إلى مارقات...

ساوندبايت لمقاطع من مقابلات هتون (الدقيقة ١:٥٥) وعزيزة (٥:٢٠) ولجين وإيمان (الدقيقة١) ونسيمة (الدقيقة ٠٠:٢٠) وسمر بدوي (الدقيقة ١٠:٢٠)

الملاحقة

بعد ظهور الأمير محمد بن سلمان في بدايات ٢٠١٥… دعم مجموعة من القرارات بهدف فتح الفضاء الاجتماعي والاقتصادي … مثل إنهاء الشرطة الدينية وطرح رؤية ٢٠٣٠… كان الانطباع الأولي للناس أنه مهتم بالفعل بتحديث الدولة وربما بدعم إصلاح حقيقي كما طالبت به الناشطات… وكثير من السيدات الي عانوا لعقود من تعنت السلطات استبشروا وقتها بعهد إصلاحي جديد..

إعلان رفع حظر القيادة من موقع التلفزيون السعودي

لكن قبل الإعلان وفي سبتمبر٢٠١٧...وبعد أشهر من تولي محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد... تواصل الديوان الملكي هاتفيا مع معظم الناشطات برسالة واحدة: سيصدر إعلان قريب عن الديوان الملكي وغير مسموح -لكن تحديدا- التعليق عليه سلبا أو إيجابا...  وحسب تعبير إحدى الناشطات كانت المكالمة تهديدية ولاتشبه المكالمات السابقة معهن... وطبعا ما احتجنا للتخمين عن طبيعة الإعلان، لكن كنا سعيدات على أي حال....

كان غريب أن الإعلان سبق رفع الحظر الفعلي بسنة كاملة... وكان الترويج له في الخارج كبير ... خصوصا في أمريكا اللي تم تعيين أول متحدثة فيها للسفارة السعودية لإعلان الخبر ...

كانت محاولة طمس دور وصوت الناشطات غريبة في هذا التوقيت… لأن أسماءهم كانت معروفة لكل من يتابع تطورات ملف المرأة  ومقرونة بدعم حقوق النساء لعقود… وكان لهم حضور واضح ومستمر في التغطيات الإعلامية والدولية… الناشطات كانوا مجموعة مختلفة ومتعددة الاهتمامات من كاتبات الرأي والأكاديميات وسيدات الأعمال وغيرهم… ولسنوات نظموا حملات مهمة لإلغاء سياسات التمييز ضد النساء واللي سنحكي عنها بشكل أكبر في الحلقة القادمة…

 توقعنا وقتها أن إسكات الناشطات كان إجراء استباقي بهدف تركيز الضوء على ولي العهد كرائد للإصلاحات في حقوق النساء… خصوصا أثناء زيارته الترويجية الضخمة لأمريكا.. واللي تحدث فيها الإعلاميين مثل نورة أودونل من ستين دقيقة عن دوره كقائد تحرير النساء وعن ثورة الإصلاح التي يقودها… واللي كتب فيها توماس فريدمان عن دور محمد بن سلمان في جلب الربيع العربي للسعودية أخيرا… طبعا هذا الكلام كان في مارس ٢٠١٨... لكن بعد الزيارة بقليل اختطفت لجين الهذلول بالتعاون مع سلطات الإمارات حيث تعيش لإكمال دراستها...

وتم توقيفها ٣ أيام في الرياض ثم الإفراج عنها تحت منع سفر بنفس التهديدات: منعها من أي نشاط علني أو استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي... ظهر أيضا استخدام الدولة للعقاب الجماعي: منعت الدولة وقتها كل أفراد أسرة لجين في الرياض من السفر...

في مايو ٢٠١٨… اتسعت دائرة الاستهداف ضد الناشطات… واكتشفت مجموعة من الناشطات صدفة أنهم ممنوعات من السفر،  لم يكن المنع صادرا من النيابة العامة ولم يظهر لهم في سجلاتهم الإلكترونية... ظهر لاحقا أن المنع كان صادر من الديوان الملكي..

٢. الاعتقال

اعتقلت السلطات أبرز الناشطات... عزيزة اليوسف، د. إيمان النفجان، لجين الهذلول، د.عايشة المانع، د. حصة آل الشيخ، مديحة العجروش، آلاء آل شبر، واعتقال ثلاثة أشخاص معهم: د. إبراهيم المديميغ، محمد الربيعة وعبدالعزيز المشعل... وبعد أيام تم الإفراج عن عائشة وحصة وآلاء... اعتقلت الدولة أيضا عدد آخر من الناشطات قبل رفع حظر القيادة في يونيو ٢٠١٨... اعتقلت نسيمة السادة، سمر بدوي، نوف عبد العزيز، ميا الزهراني، شدن العنزي، محمد البجادي، د. هتون الفاسي، د. عبير نمنكاني وعدد كبير آخر من المناصرين والداعمين للناشطات… شكلت الاعتقالات صدمة لبقية الناشطات كما تتذكرها أماني...

كانت موجة الاعتقال هذه مختلفة عن موجات الاعتقالات السابقة اللي تمت بعد وصول محمد بن سلمان لولاية العهد واللي حرصت فيها السلطات على إخفاء الأسماء... مع الناشطات كان الترهيب والتشهير متعمد وله طابع انتقامي واضح... اعتقلت الناشطات من بيوتهن عبر قوة أمنية من عشرات السيارات... وبدون أي مذكرات قانونية... أمام فزع الأهالي اخبرهم رجال الأمن أن أمن الدولة سيجري تحقيق قصير معهم فقط... بعدها بيوم تواصلت لجين وعزيزة وإيمان ود. إبراهيم لدقائق فقط بأهاليهم من مكان اعتقال سري وصفوه بالفندق في جدة... كان التخبط سيد المشهد... ولأيام لم تقدم السلطات أي رد أمام سيل الأسئلة من كل مكان…

في ١٩ مايو صدر بيان رئاسة أمن الدولة بشأن الاعتقال...

الجمعية الغير مرخصة في بيان أمن الدولة كانت جمعية آمنة لحماية المعنفات اللي قدمت الناشطات طلبا للموافقة عليها رسميا وفق نظام الجمعيات الأهلية اللي صدر في ٢٠١٥.… وحتى وقت اعتقالهم لم يتم الرد على طلبهم ولم يتم بالتالي إنشاء الجمعية… طبعا سبقت البيان حملة إعلامية ضخمة ضد الناشطات.. ظهرت فيها صور وأسماء الناشطات في الإعلام برسوم فجة و مصحوبة بعناوين صادمة… مثل: "عملاء السفارات"... "خبتم وخابت خيانتكم"... "الوطن خط أحمر"... وقدمت الصحف والحسابات الإلكترونية التابعة للدولة تعليقات من محامين وأعضاء وعضوات شورى لمحاكمة الناشطات إعلاميا… وكانت أحكامهم اللي وصلوا لها تتراوح بين  الإعدام أو السجن لعشرين عاما… ملاك الشهري وهي ناشطة سعودية تناقشنا في هذا الموسم وصفت لنا رد فعلها وقتها على الاعتقالات و حملة التخوين:

حملات التشويه الإعلامي المخالفة لأبسط الأنظمة والأعراف المرعية ماكانت مستغربة… لأننا لاحظنا انتهاج السلطة لهذا الأسلوب تحت قيادة سعود القحطاني وفي حملات الهشتاجات الشهيرة مثل القائمة السوداء وغيرها…  لكن كان مستغرب جدا انخراط نساء كنا نعوّل على دعمهم في مثل هذا الوقت في حملات التشهير كما وصفتها لي ملاك...

تسجيل ملاك الاعتقالات: الدقيقة ١:٣٠ (يؤسفني أنه في نسويات يشاركون في حملة التشيبح عليهم... اللي دفعوا الثمن)

الحملة الإعلامية وبيان الدولة ما كان فيها أي ادّعاءات باحترام الأنظمة أو شرعية السلطة... لا تحقيقات ولا حماية لهوية أي متهم حتى تنتهي محاكمته... لا مراعاة لأي اعتبارات مجتمعية كتأثير حملات التشهير على أهالي وأطفال الناشطات أو حتى السمعة الدولية للبلد أمام من تحاول جذبهم للسياحة أو الأعمال... كان عقاب الأهالي كان مقصودا… السلطة اللي منحت كل الصلاحية لولي أمر المرأة تعاقبه أيضا لو فشل في إخضاعها...

المشهد بالطبع كان إثبات وتذكير بالعقلية الأبوية الانتقامية التي تدير الدولة واللي ازدادت شراسة… في ١٩٩٠ وبعد توقيف القائدات وعدهم مدير الأمن العام أن معلوماتهم لن تتسرب لأي جهة ... لكنها تسربت في منشورات تم توزيعها عند إشارات المرور وفي المكاتب الحكومية … وقتها استدعى الملك سلمان -و كان أمير الرياض- أولياء أمور السيدات وأبدى امتعاضه من توقيت المسيرة والدولة تحت مجهر الإعلام الأجنبي… وقرأ عليهم فتوى ابن باز اللي صدرت وقتها لتحريم القيادة... وتساءل عن مدى تقبل المجتمع لذلك (طبعا المجتمع اللي لا يستطيع أحد الحديث فيه واللي يفترض أنه لا يشمل القائدات)… بعدها قرأ  عليهم تصنيفات المباحث لمواقف أولياء الأمور من المسيرة بعد التحقيق معهم (يعلم ويؤيد- يعلم ولا يؤيد- ولا يعلم ولا يؤيد)[1]... كان هذا المشهد ملفت في قد ايش الدولة تعزز سلطة أولياء الأمور وتحملهم مسؤولية أفعال النساء كوسيلة ضبط إضافية على سلوكهم... بعدها تم منع المشاركات وأولياء أمورهم من السفر لعام وفصل المشاركات من وظائفهن…

طبعا تكرر نفس المشهد بشراسة أكبر في ٢٠١٨ وبمباركة من كل أجهزة الدولة الإعلامية والتنفيذية والتشريعية ضد الناشطات… كان الهدف بالطبع هو إقصاء أي نساء يملكن قوة للتأثير خارج تحكم السلطة بمواجهتهم بالرفض والنبذ والعار… وكانت هذه ممارسة معتادة ومتوقعة ضد النساء في المجتمعات الأبوية كما تصفه ملاك...

كان مشهد التشهير والتخوين مختلفا تماما عن كل ما بذلته الدولة لإعاقة محاكمة المتورطين في قتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده وحمايتهم من أي كشف لمعلوماتهم الشخصية أو لمجريات القضية طيلة المحاكمة المغلقة واللي انتهت بتبرئة معظمهم وخصوصا القيادات المسؤولة عن الاغتيال...

وبالطبع تناقض اعتقال وتشويه الناشطات مع الحملات (الخارجية خصوصا) لترويج صورة ولي العهد كنصير للمرأة...

في التحقيق مع المشاركات في مسيرة القيادة في ١٩٩٠ كان فيه أسئلة حول من دفعهن للقيام بالمسيرة… وهل لديهن انتماءات سياسية أو عقائدية أخرى؟[2]….  كانت فكرة أن الناشطات يستطعن تنظيم أنفسهن للكتابة أو لمكافحة التمييز أو إلغاء القيود هي دائما فكرة مشبوهة في أعين السلطة الأبوية واللي تعتبر أنه ليس للنساء أي إرادة مستقلة يمكن أن تتجاوز قيود الأبوية والثقافة السائدة… ولا يمكن تفسير مطالبهن إلا بكونهم عميلات.. وصفت لي هبة كيف كان صعب على المنظمات الحقوقية أن تفهم مواقف السلطة الحقيقي من الإصلاح في الوقت اللي تعتقل فيها الإصلاحيين...

لعدة شهور اختفت الناشطات... يسمح لهن بمكالمة لمدة دقائق أسبوعيا مع الأهالي ولا يسمح فيها بمناقشة التحقيقات أو التهم... ولم يسمح بالزيارات الأسرية أو حضور محامين أثناء التحقيقات...

بعد عدة شهور من الاعتقال سمحت الدولة للأهالي بزيارة واحدة شهريا، ولاحظوا فيها أعراض غير مفهومة على السيدات: ارتعاش لا إرادي مستمر، كدمات شديدة، عدم القدرة على الحديث أو المشي أو الوقوف بشكل طبيعي..

٣. التعذيب

كانت هذه علياء الهذلول أخت لجين الهذلول... المعلومات صادمة لكن تم تأكيدها من مصادر أخرى... تعرضت الناشطات للنفض الكهربائي... الضرب بالعقال... الإيهام بالغرق... التحرش الجنسي كالضم واللمس والتقبيل بالقوة والتعرية... الشتم بألفاظ جنسية محطة للكرامة... التعليق والضرب… التجويع... العزل الانفرادي لشهور... وبحسب عدة مصادر قامت ناشطة واحدة على الأقل بمحاولة الانتحار خلال فترة التعذيب...

 يمكن فهم تعذيب الناشطات بكونه أداة إخضاع وتأديب كما تراه ملاك...

في نهاية مارس ٢٠١٩ نشرت صحيفة الجارديان البريطانية "تقارير مسرّبة تكشف عن تعذيب شديد للمعتقلين السياسيين"... يقول الخبر أن مسؤول في الديوان الملكي تجاوز اعتراضات مستشارين في مكتب ولي العهد في يناير ٢٠١٩ وأمر طبيب بإجراء فحص ظاهري سريع على مجموعة كبيرة من المعتقلين السياسيين ومن بينهم الناشطات...أوردت الصحيفة بعض الأعراض الواردة في التقارير الطبية بدون ربطها بأسماء المعتقلين... نقص حاد في الوزن، استفراغ مستمر وكدمات وجراح في مختلف الجسد، جراح ظاهرة في البطن والظهر والأطراف، جفاف شديد، صعوبات في المشي، فقدان القدرة على الحركة مع حروق متعددة وعدم التئام جروح قديمة نتيجة للإهمال الطبي...

التعذيب بحسب ما تعرفه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وكافة أشكال التعامل والعقوبات المهينة والمحطّة للكرامة هو "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدي أو عقلي، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على أي عمل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه أو تخويفه أو إرغامه"...

انضمت السعودية لاتفاقية مناهضة التعذيب وأصبحت ملتزمة بتطبيقها في ١٩٩٧... وتنص الاتفاقية على محاسبة مسؤولي الدولة والمتورطين في أفعال التعذيب... وبعد نشر الصحف والمنظمات الحقوقية لتقارير عن التعذيب في نهاية ٢٠١٨، حصلت النيابة العامة وهيئة حقوق الإنسان ولاحقا المحكمة على شهادات مكتوبة من الناشطات بتفاصيل التعذيب وبعض المتورطين فيه... وكان أبرزهم سعود القحطاني مستشار ولي العهد بمرافقة أفراد ملثمين من رئاسة أمن الدولة... وحتى اليوم لم يحاسب أيا منهم... ترسل ممارسات التعذيب رسالة للمجتمع الأوسع أبعد من غرضها المحدود في الترهيب والإخضاع أو حتى الانتقام... تقول للمجتمع ولكل من يراقب أداء النظام الجديد... أن هذا النظام لا يمكن الثقة فيه... وأصبح التعذيب كوسيلة للانتقام علامة مرتبطة بولي العهد يعرفها كل متابع له كما تذكر هبة...

٤. التهم والمحاكمات

في يناير ٢٠١٩: تم الإفراج عن د. إبراهيم المديميغ وعبد العزيز المشعل بلا توضيح أسباب، وربما على خلفية توصية التقرير الطبي المرفوع للديوان الملكي وقتها...

وفي مارس ٢٠١٩… وبعد عشرة أشهر من الاعتقال بدأت المحاكمات وبدأنا نفهم طبيعة التهم... وفي ليلة المحاكمة الأولي تغير مقر المحكمة من محكمة الإرهاب إلى المحكمة العامة.… رصدت هبة بعض هذه الإجراءات الغير نظامية في قضية الناشطات...

وكان ممنوع على الناشطات مشاركة لوائح التهم مع أي جهة… كما منعت السلطات الإعلام الأجنبي وممثلي الدول الأجنبية من حضور المحاكمات لتغطيتها أو معرفة التهم…

بعد المحاكمة الأولى تم الإفراج المؤقت عن البعض مع استمرار محاكماتهن

ومن بداية جائحة كورونا وإلى وقت تسجيل هذه الحلقة أوقفت السلطات السعودية المحاكمات والزيارات وقطعت المكالمات الهاتفية لفترات متعددة أو مطولة... اضطرت لجين إلى الإضراب عن الطعام لستة أيام حتى سمحت السلطات لها بزيارة من أهلها… وقبل الجائحة عرضت السلطات على لجين إطلاق سراحها بشرط تسجيلها لمقطع مرئي مقابل نفي التعذيب … وعرضت على سمر بدوي إطلاق سراحها لوالدها المعنّف واللي حصلت على نزع ولايته بأمر سابق من المحكمة... رفضت لجين وسمر هذا الشرط…

٥. ردود الأفعال المحلية والدولية

لسنوات كان حراك الناشطات علني ومطالبه واضحة … لذلك كان اعتقالهن محل استنكار واسع النطاق في الأوساط الحقوقية والأكاديمية والنسوية اللي كانوا يمارسوا نشاطهم ويطالبوا من خلالها…  وصفت هبة لي رد الفعل هذا بعد استهداف الناشطات...

لكن السعودية الجديدة لا تصحح أخطاءها... بل تغطيها تحت مبرر السيادة وتطعن بنوايا الجهات الدولية وتكيل التهم ضد من يكشف أو يحاول تصحيح هذه الأخطاء…ووصل الحد لقطع العلاقات مع كندا بعد تغريدة لوزيرة خارجيتها للمطالبة بإطلاق سراح سمر بدوي…

ردود أفعال المسؤولين السعوديين في الخارج حول الاعتقالات عكست التخبط نفسه اللي لاحظناه في تعامل الدولة مع الناشطات… عادل الجبير مثلا قال أن الاعتقالات غير مرتبطة بالنشاط الحقوقي للناشطات ولكن لتهم متعلقة بالتخابر وتهديد الأمن الوطني… ريما بنت بندر أول سفيرة سعودية ذكرت في مقابلة لها[3] أن الناشطات اعتقلن  بسبب كسرهم للقانون (رغم أن القيادة تم السماح بها) ولتبني حملات علنية بدلا من وسائل خاصة في مطالبهن، وأن رد الفعل الدولي على اعتقالهن كان مبالغ فيه…

أما رد الفعل الأكثر تخبطا فكان رد فعل ولي العهد نفسه… في مقابلته مع بلومبيرج بعد مقتل جمال مباشرة في ٢٠١٨... أكد في مجموعة من الأسئلة المباشرة أن اعتقال الناشطات  ليس بسبب مقابلاتهن الإعلامية أو تعاونهن مع المنظمات الدولية أو الدبلوماسيين... لكنه مرتبط بتسجيلات تكشف تخابرهم وتلقيهم الأموال من جهات عدوة للسعودية مثل قطر… طلبت بلومبرج الحصول على هذه التسجيلات ووعدهم الأمير بترتيب الحصول عليها من النيابة العامة وهو مالم يحدث حتى الأن… وفي مقابلة تالية لولي العهد في ٢٠١٩ مع برنامج ٦٠ دقيقة ذكر أن قضية الناشطات هي  تحت إدارة النيابة العامة  المستقلة وأنكر معرفته بوجود تعذيب ووعد بالتحقيق فيه...وهو أيضا ما لم يتم حتى الآن...

يعكس تعامل السلطة مع الناشطات محاولة لهدم النموذج اللي قدموه في المجتمع... ولفرض نموذج بديل...السلطة فيه هي صاحبة الفضل والقوة في إرساء أي إصلاح والمرأة فيه خاضعة بلا دور ولا اعتراض..ولما ترجع للمرأة أي حقوق فهي تعلن وافر امتنانها لنفس السلطة اللي سلبتها منها لعقود ومنعتها من أنها تعمل لإلغاءها... ولذلك كان دور وحراك الناشطات أساسي في كشف هذا الموقف للجميع كما تراه ملاك...

اليوم وبعد أكثر من عامين على اعتقال الناشطات نكتشف وجه السلطة الحقيقي …لا حرج في تغييب أصوات النساء تحت أي تهمة… أو انتهاك أجسادهن وكرامتهن… أو خلق مناخ عام باسم الوطنية يتحول فيه الناس إلى  أدوات لنشر خطاب التشويه والإقصاء ولتبرير التجاوز على أي دور للقانون أو العدالة... مثل ما وضحتها هبة هنا…

وفي هذا العالم الجديد.. المصممّ لإعادة إنتاج القمع الذكوري بكل أدواته من تهميش وإقصاء ومزايدة على الولاء والمواطنة… لا يمكن للنساء فيه إلا أن يكونوا... مارقات...

 

خاتمة…

شاركونا برأيكم عبر هذه الطريقة الآمنة و بدون اسم أو هوية. تجدون التعليمات على حساب تويتر "بودكاست السعودية العظمى."

أنتج هذا البودكاست بدعم من منظمة العفو الدولية. الآراء الواردة فيه مستقلة ولا تمثل بالضرورة رأي منظمة العفو الدولية.

 أنا هالة الدوسري وألقاكم على خير في الجزء الثاني واللي نناقش فيه النشاط النسوي المستقل وأهمية استمراريته في السعودية... نلقاكم على خير

[1] كتاب السادس من نوفمبر ص. ٦٩

[2] كتاب السادس من نوفمبر ص. ٥٧

[3] A Translation of Reema Bint Bandar Interview with Politico (2019)