
حرصًا منا على المصداقية و الشفافية جميع المصادر و التقارير المستخدمة في الحلقة ستجدونها مرفقة بالنص
للإطلاع على النص أو لتحميله إضغط هنا
نص الحلقة الثانية | ناشطات
السعودية العظمى
حرية، عدالة، تعددية، تمثيل... وكل ما يجعل السعودية عظيمة
هذا الموسم الثالث من بودكاست السعودية العظمى.. فيه نتذكر وندين بالفضل…للمارقات من أسوار القمع… للناشطات لأجل حياة أفضل وأكثر رحمة بالنساء… وللناجيات من العنف…نتذكر في هذا الموسم فضلهم وشجاعتهم… وقوفهم في الصفوف الأولى… وتضامنهم لكسر حواجز الخوف والصمت والفصل والعزلة… وإطلاقهم لصافرات الإنذار ضد القمع والعنف... وفي مشاركة تجاربهم على قسوتها وللوصول لإمكاناتها المبهرة… وفي مد وبناء جسور الدعم في الصحراء القاحلة… نذكّر هنا بالقمع… وبالفضل… وبأن للنساء صوت وقوة لا يمكن تجاوزها ولا يمكن إخمادها…
أنا هالة الدوسري، باحثة وناشطة، أقدم لكم ثالث حلقة عن النسوية في السعودية ضمن بودكاست "السعودية العظمى"، من إعداد وتقديم صحافيين مستقلين ونشطاء سعوديين مهتمين بتحسين وضمان الحقوق والحريات... معي للنقاش في هذا الموسم ناشطتين من السعودية ومقيمات في أمريكا حاليا ملاك الشهري و أماني الأحمدي … معي أيضا هبة زيادين من منظمة مراقبة حقوق الإنسان… هبة كانت الباحثة المسؤولة عن تغطية اعتقال الناشطات وعن توثيق النشاط النسوي في السعودية بشكل عام
نناقش اليوم أكثر الأسئلة شيوعا: ايش هدف النشاط النسوي في السعودية؟... وليش نحتاجه؟ ... وليش تحاربه الدولة؟ …
١. دور الناشطات والحملات:
كانت هذه ملاك الشهري ناشطة سعودية مشاركة معنا في النقاش هذا الموسم… شخصيا أرى دور الناشطات أساسي في رفع سقف التوقعات... في التبشير بحياة أكثر عدالة للنساء... حياة يمكنهن فيها الوصول لأقصى إمكانتهن وبأقل قدر من المعاناة الغير ضرورية… أو كما تصورت ملاك النسوية كوسيلة للتضامن وتفهم التجارب الخاصة بالنساء...
خلونا نبدأ من أوضاع الهشاشة... وهي الأوضاع اللي تقيد النساء في خياراتهم وإرادتهم... سلطة الرجال التقليدية على النساء تضمن تحكمهم في خيارات النساء… بحيث تمنح الرجال قوة ومزايا وفرص أكبر للتحكم في العلاقات بين الجنسين... سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الأسرة أو الشارع... وهذا ما يعرف بالنظام الأبوي أو الأبوية... وهو قائم على تصور يقلل من قيمة المرأة أو قدراتها... أو يقيدها في أدوار معينة تعزز من قوة الرجال ونفوذهم كأولوية...
هدف النشاط النسوي بالتالي هو تحرير النساء من البقاء أسيرات في أوضاع الهشاشة والتي تنتجها وتعززها هذه المنظومة الأبوية...
(مقطع للقيادة من مقاطع ٢٦ أكتوبر)
كانت هذه السيدة مديحة العجروش أثناء قيادتها في ٢٠١٣...
أول ما يرد على بال المتابعين للنشاط النسوي في السعودية هو حملات إلغاء منع القيادة... لكن الحقيقة أن انضمام العدد الأكبر من الناشطات لحملة "قيادة ٢٦ أكتوبر" وهي الحملة الأكثر قوة حدث بالصدفة أثناء نقاشنا حول تشجيع النساء للمشاركة في المجالس البلدية في ٢٠١٣... الإعداد لحملة بلدي وحملة إلغاء القيادة تزامن مع حملة ضخمة قامت بها السلطات لترحيل مخالفي الإقامة واللي أغلبهم كانوا يعملوا كسائقين في توصيل السيدات...لكن في كل مرة كنا نحاول دعم مطلب نسوي كانت تواجهنا إشكالية تقييد حركة النساء... السائق الشخصي النظامي كان رفاهية مكلفة لاتملكها الكثيرات... وفي بلد لا تتوفر فيه مواصلات عامة آمنة كان المنع هو أكبر رمزية لمدى تحكم السلطة الأبوية في حرية تنقل النساء خارج المنزل لأي سبب...
المشاركات في حملة بلدي وقتها اقترحوا ندعم حملة "قيادة ٢٦ أكتوبر" لإلغاء المنع... فكرة حملة ٢٦ أكتوبر كانت ملهمة لزيادة التأثير وخصوصا لاستخدامها وسائل التواصل الاجتماعي والوصول للمؤثرين مجتمعيا لدعمها بشكل ماكان متوفر للناشطات من قبل… كانت الحملة تتطلب أن السيدات يقودوا سياراتهن لمشاويرهم اليومية بلا انتظار لرفع المنع وتشجيع غيرهم على القيادة بتصوير التجربة... تحولت المطالبات إذن من العرائض وصفحات الجرائد إلى واقع يشاهده الجميع... وأثبتت على أرض الواقع زيف حجج الشوارع الغير آمنة أو المجتمع المقاوم لقيادة النساء... المقاومة الوحيدة اللي واجهت القائدات كانت في توقيفهم من أجهزة الدولة...
هيا العبودي وهي مدرسة أطفال وإحدى المشاركات في مسيرة ١٩٩٠ لإلغاء منع القيادة... وصفت شعورها قبل مشاركتها في ذلك الوقت كالتالي: "دخلت على طالباتي في اليوم المتفق عليه للتنفيذ وكنت أنظر في عيونهن التي تلمع وهي محدقة بي وكأنها تقول لي لماذا؟ أحسست لحظتها بالخوف والرهبة ولا أخفي ذلك، فالموضوع أكبر من مسألة قيادة المرأة للسيارة، إنه هذا الكم الهائل من البشر الذي يجب أن يعيش إنسانيته الحقيقية وأن يمارس حقوقه وأن يعبر عن نفسه وأن يقول: أنا موجود هنا... وموجوع هنا... ومهان هنا... فاسمعوني"...
وطبعا بدأت المواجهة مع السلطات… حتى انتهت محاولاتنا في الشارع باعتقال لجين الهذلول وميساء العمودي أثناء محاولة القيادة للسعودية عبر مدخل الإمارات باستخدام رخص نظامية…
ظهورنا في الواجهة إذن كان مرعبا... لكن كان أيضا ملهما... لا أعتقد فيه تجربة تخلينا نفهم المجتمع اللي عايشين فيه مثل فعل المقاومة والمواجهة العلنية ضد قمع السلطة بكل أشكالها... واجهنا سلطة الدولة اللي تتصور هيبتها في قمع أصوات النساء... والمتقربين للسلطة بالمزايدة على وطنية وولاء الناشطات... والمثقفين والنخب اللي وجدوا فرصة إثبات تفوقهم الثقافي بتوجيه وتقريع الناشطات على مطالبهم أو أساليبهم أو أولوياتهم...
وبرغم أن القيادة كانت الحملة الأكثر ظهورا في النشاط النسوي السعودي… لكن مطالبنا لم تكن فقط القيادة…
على مدار سنوات طالبت الناشطات بإلغاء التمييز بين الجنسين في الجنسية والعلاج والتعليم والعمل والأجور والمناصب العامة وفي قوانين الأحوال الشخصية واللي تعتبر أكثر قلاع الفقه الديني الأبوي تحصينا... وبالتأكيد كان جوهر مطالب النساء هو إلغاء ممارسات ولاية الرجل على المرأة... اللي كانت تمثل أقوى تجليات السلطة الأبوية على حياة النساء... السلطة اللي كان يستطيع بواسطتها رجل واحد فقط في حياة كل امرأة أن يمنع أو يسمح بمعظم خياراتها في الحياة: تعليمها، عملها، تنقلها، محل إقامتها، علاجها، سفرها، أوراقها الرسمية...حتى تزويجها أو تطليقها، تحديد سلطتها على أطفالها... أو حصولها على إجهاض ضروري للحياة أو إجراءات طبية تؤثر على خصوبتها... انتهاء بتسريحها من مؤسسات الرعاية والسجون والحماية أو حبسها بلا نهاية...
في ٢٠١٦ اقترحت علي باحثة من منظمة مراقبة حقوق الإنسان تحديث تقرير قديم عن ولاية الرجل في السعودية… وقتها كنت باحثة زائرة في أمريكا ومستشارة لفرع المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط...
وقتها عملنا كمجموعة من الناشطات على محاولة رصد وفهم الأنظمة والممارسات في الدولة...ولأن قيود الولاية لا تعاني من تأثيرها كل النساء بنفس القدر فكان مهم أننا نسمع من أكبر عدد ممكن من النساء عن تجاربهم مع ولي الأمر...حاولنا ننشر التقرير النهائي "كمن يعيش في صندوق" على أوسع نطاق... كان التفاعل مع الحملة ضخم وانتشرت بكل قوة...
وفي أبريل ٢٠١٧ وبعد أقل من سنة من بداية الحملة صدر أمر ملكي بحصر ومراجعة كل الأنظمة الخاصة بالولاية في خلال ثلاثة شهور…
بعد أكثر من سنة وفي ٢٠١٨ رفع حظر القيادة فعليا، وأصبح للنساء الحق في الحصول على جوازات السفر والسفر بلا موافقة ولي الأمر وفي تغيير الحالة الاجتماعية لأطفالهن في سجلات الأسرة... كانت الإصلاحات أقل من مطالب الحملة... وكنا نفيض بالسعادة مع كل قيد ينطوي... لكن كنا ندرك أيضا أن إلغاء أي نص تمييزي في الأنظمة لا يعني بالضرورة أنه اختفى من حياة النساء... فلازال وصول النساء للعدالة أو المساواة حافل بالمعوقات... بداية من إمكان وصول النساء للمعرفة والمعلومات إلى توفر الموارد اللي فعلا يحتاجوها وإلى مدى التزام أجهزة الدولة ومسؤوليها بتطبيق الأنظمة اللي تضمن مصالحهم بشكل فعال ومتساوي... فعلى سبيل المثال تتعرض النساء الي يحاولوا يمارسوا حقوقهم الجديدة كالسفر أو الإقامة في منزل منفصل للهرب من العنف أو للعمل بدون موافقة أولياءهم إلى قضايا كيدية كالعقوق والتغيب…
وهنا يأتي دور الناشطات في كل دولة... وتعاونهن العابر للبلدان وللثقافات مع النشاط النسوي والحقوقي في كل مكان... يسهم عملهن في تسليط الضوء على التفاصيل اللي يتم تجاهلها عادة في الأنظمة وفي الممارسات... خصوصا في حالة النساء الغير منتفعات من الإصلاحات... لأن الفروق بين النساء في الامتيازات والفرص وقدرتهم على الوصول على المعلومات والانتفاع منها تختلف بحسب موقعهم في الأنظمة الأبوية والطبقية... الناشطات تعاونوا في كشف واقع النساء بمعظم فئاتهن مع هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإعلام كأصوات مستقلة لا تعمل وفق حدود السلطة الضيقة... ولكن تهدف إلى الدفع بالمساواة لمعظم فئات النساء… هبة وضحت هنا أهمية دور الناشطات في عمل المنظمات الحقوقية الدولية في السعودية:
بعض النشاطات التوثيقية الهامة اللي عملت حولها الناشطات مع المجتمع الحقوقي الدولي كانت تقارير الظل المطلوبة من هيئات الأمم المتحدة بشكل دوري… مثل التقرير اللي تعاونت فيه مع الناشطات بالاشتراك مع جمعية مساواة وكلية القانون في هارفرد عن أوضاع النساء في [1]٢٠١٨... وكان بهدف مراجعة أداء الدولة أمام لجنة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الأمم المتحدة... السعودية عضوة في هذه الاتفاقية وترسل وفدا حكوميا من عدة جهات كل فترة لتوضيح مدى التزامها بتطبيق بنود الاتفاقية في الأنظمة السعودية... النساء في هذا الوفد الحكومي ومنهم أمل المعلمي أنكروا أي وجود لنظام ولاية الرجل على المرأة في الأنظمة... وفي نقاش اللجنة مع الوفد السعودي الحكومي لم يكن هناك أي ناشطة مستقلة من السعودية سوى لجين الهذلول… واللي كانت وحيدة أمام اكبر وفد حكومي أرسلته المملكة وشكلت النساء فيه أكثر من نصفه... اعتقلت لجين الهذلول بعد شهر من عودتها خطفا من الإمارات… تشرح هبة لنا السبب في عداء السلطات في السعودية وبعض دول المنطقة لعمل المنظمات الحقوقية:
٢. لماذا نحتاج للناشطات؟
النسوية هي أفكار عابرة للحدود... تتعلم الناشطات فيها من مشاركة التجارب والحلول… ولايتم ذلك إلا عبر التجمع الحر والنقاش والتفكير المشترك وبلا قيود... كانت تجارب المشاركة الجماعية في حملة افتراضية أوعلى أرض الواقع ملهمة لبناء وعينا بالواقع والممكن... علمتنا كيف نفكر مع بعض، كيف نحمي بعض، وكيف نستغل أماكننا وفرصنا حتى تتحول مطالبنا المهمشة إلى أولوية مهمة في أي أجندة تغيير سياسي... أيضا شكل وجود الناشطات في البلد ملاذا لعدد كبير من السيدات اللي لا يستطيعوا الوصول للمساعدة عبر الوسائل الرسمية... إما لأن المساعدة غير متاحة أصلا في الأنظمة أو الموارد أو لأن المساعدة المتوفرة محدودة ولا تحل المشكلة جذريا... حشدت الناشطات مجتمعاتهم لدعم وتوجيه الجهود اللازمة للناجيات من العنف أو العالقات في معتقلات الأبوية أو تحت نظام الكفالة... اكتشفنا أن قوتنا وتحررنا تكمن في المشاركة والتضامن والعمل الجماعي المنظم والمستمر ... واكتشفنا ليش في المنظومة الأبوية للسلطة فيه ألف قيد وقمع على تجمع النساء المستقل ونشاطهن... وهذا التقييد المتعمد يضعف من قدرة النساء المهمشات على الوصول للمساعدة كما توضح هبة: عادة ما يصبح هذا القمع سببا في دفع عدد من النساء للانضمام للنشاط النسوي مثل أماني الأحمدي… وهي ناشطة نسوية تناقشنا في هذا الموسم
٣. اختطاف الدولة لدور الناشطات
ناقشنا أيضا في الحلقة السابقة كيف تزامنت حملات القمع ضد الناشطات مع حملات الإعلان عن إصلاحات في ملف المرأة واللي كانت متوجهة لتحسين صورة الدولة في الغرب بشكل أساسي... ويمكن ملاحظة كيف يحمّل الخطاب الحكومي ومن يروج له المسؤولية في استمرار الانتهاكات والتمييز ضد النساء على النساء الجاهلة بحقوقها.. أو المجتمع المحافظ الرافض لتحرير النساء… مثل ماكان من قبل يحمّل المسؤولية على السلطة الدينية المهيمنة على المجتمع…
استخدام الإصلاحات في حقوق المرأة لتحسين صورة النظام أمر وثقته الدراسات حول الأنظمة الاستبدادية...ولكن غالبا ما يتم ذلك لأهداف لا تتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين بالضرورة[2]... مثلا لتحسين الدخل الوطني لأن النساء هم الأفقر كفئة اجتماعية والأكثر اعتمادا على موارد الدولة كالضمان الاجتماعي… وتستخدم الأنظمة الإصلاحات في ملف المرأة أيضا لتحسين شرعية النظام… خصوصا لكسب تضامن الحلفاء في الغرب اللي تهمهم مسألة حقوق المرأة… ولإظهار النظام الجديد كنظام مرن يمكن توقع وعمل بعض الإصلاحات بواسطته... وهذا يتطلب الترويج للنظام كمؤثر وحيد في إقرار الإصلاحات وليس المجتمع أو الناشطات... ولذلك يتم قمع الناشطات مع إقرار الإصلاحات كما توضح هنا ملاك:
إخفاء صوت الناشطات واحتكار السلطات للحديث عن واقع النساء غير أنه يزيف الواقع فهو أيضا يعيق بناء أو حشد أي دعم للمزيد من الإصلاحات أو توضيح أوجه القصور في تفعيلها… وهو يستبدل الدور المهم اللي تقوم فيها الناشطات ببناء الدعم لمطالب النساء من داخل المجتمع بكل فئاته إلى دور تقوم به نسويات السلطة واللي مقتصر في الأغلب على الترويج للسلطة وإنجازاتها وتبرير الانتهاكات والتمييز بدلا من مواجهتها…
بينما تستطيع بعض الأجنبيات من دول غربية الحصول على دعم من بلادهم في حال حدوث انتهاك لهم... فهذا غير متوفر لأجنبيات ومقيمات من دول أخرى… وهذا بسبب وقوعهم تحت نظام الكفالة اللي يقيد فرصهم في الخلاص كما توضحه ملاك...
لكن هناك تمييز أعمق ومستمر يمسّ كل المقيمات والمواطنات بلا تفريق... مثلا في حالة قوانين الأسرة واللي لا يزال القضاء السعودي منحازا فيها ضد النساء بما فيهن الغربيات كما توضح لنا بيثاني الحيدر… وهي سيدة أمريكية تطلقت من زوجها السعودي واللي كان أيضا كفيلها وحاولت تحصل بلا نتيجة على حضانة ابنتها في المحاكم السعودية حتى تدخلت بلادها لمساعدتها
تسجيل بيثاني الحيدر عن قضية طلاقها من زوجها السعودي ودعم الناشطات لها مقابل دعم الدولة..(نحتاج ترجمة للعربي فوق الصوت)[3]
الترجمة العربية: (كأمريكية متزوجة من سعودي يصبح زوجك هو كفيلك، وهو أمر شبيه بكونه ولي الأمر، وعلى أن النسويات السعوديات كن شجاعات بشكل عظيم في الدفاع عن حقوق النساء وتحقيق نجاحات متقدمة إلا أن بعض الإصلاحات التجميلية التي منحت مؤخرا للسعوديات لا تمنح للأجنبيات المقيمات في السعودية، أو المتزوجات من سعوديين أو على كفالة زوج أجنبي أو بنات لمواطنات سعوديات من أجانب، وفي حالتي في محكمة الأسرة، كان العائق أنه ينظر لي كغربية وينص النظام الأساسي للحكم في السعودية على أن الأسرة ينبغي أن تنشأ على القيم العربية والإسلامية، وبالتالي فأي شخص غير عربي أو ينظر له أنه غير مسلم أو حتى ليس مسلما بما يكفي سيواجه هذا التمييز في المحكمة، بالإضافة إلى التمييز ضد كوني امرأة وهي أقل الفئات اعتبارا في المحكمة، في قضيتي حكم القاضي أن ابنتي التي تعيش تحت رعايتي يجب أخذها مني كوني أجنبية ويجب حمايتها من تقاليدي وثقافتي)
وبالإضافة لاستخدام الأجنبيات في حملات الترويج يستخدم النظام أيضا المواطنات كنموذج بديل للناشطات... ودورهم لا يقتصر على الترويج للنظام وإصلاحاته فقط... لكن عكس صورة جاذبة عن المرأة السعودية لحلفاء ومنتقدي النظام... وهي صورة لا تعكس بالضرورة الواقع المعاش لمعظم السعوديات... وضعت مثلا مجلة فوج العربية الصادرة في مناسبة رفع حظر القيادة صورة الأميرة هيفاء بنت عبدالله على الغلاف تحت عنوان "النساء الذين يقدن التغيير في السعودية"... وبعد تداعيات مقتل خاشقجي السلبية في أمريكا تم تعيين الأميرة ريما بنت بندر كأول سفيرة للسعودية هناك...
تستخدم الأميرة نفس الخطاب الأبوي للسلطة عن المرأة والمجتمع المقاوم لإصلاحات الدولة... ففي مقابلة إعلامية لها أوضحت أن الإصلاحات اللي نادت بها الناشطات كانت مدرجة من الأصل على قائمة الإصلاح في الدولة... رغم أن الجميع يعلم مقاومة الدولة لمطالب المجتمع المدني والقيود اللي مفروضة عليه…هنا نفهم دور نساء السلطة كحارسات لبوابات النظام الأبوي... الدور اللي تبرر فيه الأميرة كمسؤولة في الدولة قوانين وممارسات أبوية لا تحترم النساء بدلا من مقاومتها ودعم من يكافحها من النساء... وهنا نفهم أن التمثيل الرمزي للنساء (أو مجرد وجود نساء في السلطة) لا يعكس بالضرورة تمثيلا فعليا لمصالح النساء أو دفاعا عن إسهامهن... لذلك يبقى النشاط النسوي المستقل أساسيا في تفنيد أي خطاب نسوي رسمي مزيّف للواقع... ولتبني خطاب نسوي شامل لتجارب الفئات الأكثر تهميشا وصولا للأكثر حظوة... ومن الأسفل للأعلى وليس بالعكس…
يخدم وجود نساء السلطة الدفاع عن نفس النظام اللي يقمع غيرهم من النساء ويحقق الهدف من سياسة فرق تسد التي تتبعها الحكومات الاستبدادية... ويخدم وهو الأخطر تعزيز نسخة إقصائية قمعية من مفهوم الوطنية… ويصبح للسلطة فقط ومن يمثلها الحق في تحديد أولويات الإصلاح وخطابه وكيفيته… ويصبح سعي النساء للمواطنة الكاملة -و بكل ما تعنيه من حريات وحقوق- محدودا وخطيرا…ولا يوجد أسوأ من ذلك الوضع المشتت لإضعاف النشاط النسوي...
خاتمة…
شاركونا برأيكم عبر هذه الطريقة الآمنة و بدون اسم أو هوية. تجدون التعليمات على حساب تويتر "بودكاست السعودية العظمى."... أنتج هذا البودكاست بدعم من منظمة العفو الدولية. الآراء الواردة فيه مستقلة ولا تمثل بالضرورة رأي منظمة العفو الدولية... أنا هالة الدوسري وألقاكم على خير في الجزء الثالث من هذا الموسم واللي نناقش فيه إشكالية العنف ضد النساء والإفلات منه في السعودية...
[1] Thematic Report on Muslim Family Law and Muslim Women’s Rights in Saudi Arabia
[2] Jasmin Lorch and Beatrice Bunk: Gender politics, authoritarian regime reliance, and the role of civil society in Algeria and Mozambique. GIGA Research Program, No. 29, )ct. 2016.
[3] Stephen Kalin. U.S child custody battle highlights cultural chasms between allies. WSJ June 17, 2020.