حرصًا منا على المصداقية و الشفافية جميع المصادر و التقارير المستخدمة في الحلقة ستجدونها مرفقة بالنص

للإطلاع على النص أو لتحميله إضغط هنا

Episode3-Horizontal.png

نص الحلقة الثالثة | ناجيات

السعودية العظمى

حرية، عدالة، تعددية، تمثيل... وكل ما يجعل السعودية عظيمة

هذا الموسم الثالث من بودكاست السعودية العظمى.. فيه نتذكر وندين بالفضل…للمارقات من أسوار القمع… للناشطات لأجل حياة أفضل وأكثر رحمة بالنساء… وللناجيات من العنف…نتذكر في هذا الموسم فضلهم وشجاعتهم… وقوفهم في الصفوف الأولى… وتضامنهم لكسر حواجز الخوف والصمت والفصل والعزلة… وإطلاقهم لصافرات الإنذار ضد القمع والعنف... وفي مشاركة تجاربهم على قسوتها وللوصول لإمكاناتها المبهرة… وفي مد وبناء جسور الدعم في الصحراء القاحلة… نذكّر هنا بالقمع… وبالفضل… وبأن للنساء صوت وقوة لا يمكن تجاوزها ولا يمكن إخمادها…

أنا هالة الدوسري، باحثة وناشطة، أقدم لكم الحلقة الثالثة من مجموعة حلقات عن النسوية في السعودية ضمن بودكاست "السعودية العظمى"، من إعداد وتقديم صحافيين مستقلين ونشطاء سعوديين مهتمين بتحسين وضمان الحقوق والحريات...  معي للنقاش في هذا الموسم ناشطتين من السعودية ومقيمات في أمريكا حاليا ملاك الشهري و أماني الأحمدي... معي أيضا هبة زيادين من منظمة مراقبة حقوق الإنسان…  هبة كانت الباحثة المسؤولة عن تغطية اعتقال الناشطات وعن توثيق النشاط النسوي في السعودية بشكل عام...

اليوم نناقش العنف ضد النساء في السعودية... ودور النشاط النسوي في كشفه ومكافحته...

١. مشكلة العنف في السعودية: مدى انتشاره وأسبابه...

كانت هذه الشابة آمنة الجعيد... اللي نشرت هذا المقطع في ٢٠١٧ بعد ما حاولت على مدار سنوات أنها تحصل على الحماية من تعنيف وتحكم والدها... اختفت آمنة بعد ذلك في أحد دور الحماية...

نشرت آمنة هذا المقطع حتى تقول للي كذبوها لما طلبت المساعدة أونلاين... أنا حقيقية... والعنف ضد النساء حقيقي...

أن تولدي امرأة فهذا أهم عامل في احتمال تعرضك للعنف بسبب جنسك...  حول العالم: امرأة من بين كل ٣ نساء تتعرض للعنف مرة واحدة على الأقل في حياتها... والمنطقة العربية هي أكثر منطقة في العالم في انتشار العنف ضد النساء بمعدل يصل إلى ٤٥٪ من النساء (يعني تقريبا نصف النساء).... وذلك لأسباب ثقافية واقتصادية… وخصوصا مع تزايد الحروب والتهجير وسياسات التقشف واللي تفاقم معاناة النساء والأطفال بشكل رئيسي... لذلك البيت ليس بالضرورة ملاذا آمنا للنساء... يفضي العنف ضد النساء لمجموعة خطيرة من العواقب… منها العواقب الصحية اللي قد تصل إلى الإعاقة أو الانتحار أو القتل... أوالعواقب الاقتصادية بسبب تعطل المرأة عن الكسب ... أوالعواقب الاجتماعية لتأثيره على الأطفال والمجتمع المباشر في تبني العنف كسلوك مقبول لفرض السلطة الذكورية على الإناث أو لحل المشكلات...

وأهم مشكلة تعزز ممارسات العنف ضد النساء هي تدني مكانتهم أو عدم المساواة في علاقات القوة بين الجنسين... سواء داخل الأسرة أو في المجتمع أو في القوانين والسياسات العامة ...وهذا يصعّب من مساعدة الناجيات من العنف...

أكيد أن مجموعة العوامل اللي تعرّض النساء للعنف متداخلة وكثيرة... وتسهم في صعوبة إفلات النساء من بيئة العنف بمجرد تقديم حل جزئي لا يتعامل مع هذه العوامل مجتمعة... لأن العوامل اللي تعرض النساء للعنف متعلقة بأمور تتخطى وضع المرأة الشخصي أو وضع المعنّف…  أو طبيعة العلاقة بين المعنف والضحية ومدى هيمنته عليها... لكن تتعلّق أيضا بثقافة المجتمع وهل تنتشر فيه مفاهيم شرف الأسرة المتعلّقة بسلوك وأخلاقيات المرأة… أو تقبّل المجتمع لاستخدام القوة لحل المشكلات...وماهي طبيعة التشريعات والقوانين والمفاهيم عن العنف ضد المرأة بشكل عام...

مجموعة المفاهيم الأبوية المرتبطة بالشرف هي عامل أساسي في منطقتنا لانتشار العنف ضد النساء... في المجتمع الأبوي يستخدم العنف كوسيلة لتأكيد سلطة الرجل على المرأة وخصوصا لو تصرفت بشكل مناف للتقاليد والأعراف أو تحدّت سلطة الرجل… ومثل ما ذكرت ملاك فلا ينطبق ذلك فقط على النساء في أسرة الرجل... حيث تتعلق بالرجال ككل مهمة حماية السمعة وضمان السلوك السوي للنساء في المجتمع الأكبر...والمرعب هنا هو ليس فقط ما يحدث للضحايا المشتبه في سلوكهم ولكن في تواطؤ مجتمعاتهم المباشرة في إخفاء العنف... مثل قضية إسراء غريب الشهيرة بعد ضربها المفضي للموت على يد رجال من أسرتها نتيجة للشك في علاقتها بشخص ما...  والتي أعيد التحقيق فيها بعد حملة مناصرة من صديقاتها... وليس من النساء في أسرتها... كم إسراء اختفت من الحياة بلا أن يعلم أحد؟...

هناك أيضا فئات بعينها من النساء يتعرضن لعنف ممنهج أكثر من غيرهم... مثل المصابات بإعاقة معينة تضعف من قدرتهم على حماية أنفسهم أو طلب المساعدة… أو النساء في أماكن معزولة أوبعيدة مثل العاملات الأجنبيات في المنازل… وهو عنف يحدث بسبب انعدام وسائل الحماية...

ولو ناقشنا مجموعة العوامل الشخصية اللي تعرض نساء أكثر من غيرهم للعنف فهي متعددة ومتشعبة: مثلا نشأتهم في منزل تتعرض فيه النساء للعنف أو تعّرضهم للعنف في الطفولة... أو كون المعنّف مدمن على المواد المخدرة أو الكحول (وهذا أحد أهم العوامل لتعرض النساء للعنف في الدراسات السعودية)... أيضا ارتباط مشكلة العنف بقوانين الولاية أو بقوانين الأسرة... لصعوبة إثبات الضرر داخل الأسرة في المحاكم للحصول على الطلاق أو الحضانة أو إلغاء الولاية… وهناك فقر السعوديات حتى لو كانوا متعلمات أو ما يسمّى بالفقر المؤنث... وفي دراسة لمركز الملك خالد كانت نسبة العاطلات عن العمل في السعودية ٦٣٪ مع فرق كبير في الأجور يصل إلى نصف ما يتقاضاه الرجل في نفس المهنة ... ويشير مؤشر الفرق العالمي بين الجنسين في مشاركة المرأة و في الفرص الاقتصادية إلى مكانة متدنية للسعودية… حيث احتلت المركز ١٤٨ من بين ١٥٣ بلدا في العالم...

هناك أيضا العوامل الثقافية (سواء مبنية على أعراف قبلية أو مفاهيم دينية معينة) المتعلقة بالعلاقة بين الجنسين في المنزل ومدى هيمنة أو تحكّم المعنّف في قرارات الإنفاق والعمل والسلوك الخاصة بالمرأة...نسمع مثلا عن الأهالي اللي يرجعوا بناتهم لأزواج معنّفين حرصا على وحدة الأسرة أو حتى لا يتشتت الأطفال... أو اللي يرفضوا التدخل في منع العنف عن سيدة في الأسرة الممتدة أو المجتمع حتى لا يتعدّوا على سلطات زوجها أو والدها... فالذكورية في الأسرة والمجتمع تشرّع لولي الأمر صلاحية التأديب وتقرير سلوك المرأة... وتلزم الرجال غيره بعدم التدخل في خصوصيات غيره من الرجال... عزلة المرأة أو حبسها في البيت -خصوصا اللي في أماكن نائية أو بعيدة عن محيط الدعم الأسري المعتاد لها – تسهم في صعوبة إفلاتها من العنف... وهذه العوامل كلها تخلق بيئة تمنح العنف مبررات للاستمرار... وتحوله إلى سلوك متوارث عبر الأجيال يصعب مقاومته... وتصبح ثقافة العنف جزء هيكلي من بنية الدولة الأبوية وتقرّها التشريعات الدينية والقانونية...

والعنف الجنسي بالذات أمر يتم التستر عليه على خطورته… وذلك لاعتبارات متعلقة بسمعة الفتاة والأسرة وفرصها وربما فرص أخواتها المستقبلية في الزواج... وأتذكر بحث ساعدت فيه منذ سنوات حول قوانين الاغتصاب والزنا في الدول الإسلامية…  وسألتني الباحثة لماذا لا تثير الناشطات مثل هذه القضايا... وكان ذلك بالطبع بسبب إشكالية الصمت المجتمعي حول هذا العنف وحجبه عن النقاش العام بزعم حماية الضحايا... بالإضافة إلى عدم وجود قانون جزائي مكتوب يوضّح أفعال العنف المجرّمة وعقوبتها بشكل واضح… كما تشير هنا ملاك:

هذا يأخذنا إلى إشكالية تعريف العنف ضد المرأة بما يناسب الثقافة المحلية …. وتحويل الممارسات العنيفة التي تقرّها التقاليد والأعراف إلى أنظمة معمول بها... نظام الحماية من الإيذاء مثلا يعرّف العنف أو الإيذاء على أنه "شكل من أشكال الاستغلال أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر متجاوزا حدود ماله من ولاية عليه أو سلطة أو مسؤولية بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية، ويدخل في إساءة المعاملة امتناع شخص أو تقصيره في الوفاء بواجباته أو التزاماته في توفير الحاجات الأساسية لشخص من أفراد أسرته أو ممن يترتب عليه شرعا أو نظاما توفير تلك الاحتياجات له"... طبعا خلاف أن هذا التعريف لم يخصص العنف بأنه ضد النساء (وهم الفئة الأكثر تعرضا له في الأسرة) لكنه أيضا لم يذكر ماهي أفعال العنف المجرّمة على وجه الدقّة... محدودية تعريف الإيذاء تسهم في غموض القانون وصعوبة اللجوء إليه... وبالتالي في استمرار العنف ضد النساء...

خلونا نقارن تعريف الإيذاء مع تعريف العنف اللي تبنته الأمم المتحدة كمثال في ١٩٩٣ على كونه " أي عمل عنف قائم على نوع الجنس (يعني موجه للنساء خصوصا) ويفضي أو قد يفضي إلى تعرض المرأة إلى ضرر أو ألم جسدي أو جنسي أو نفسي، ويشمل التهديدات بارتكاب أفعال من هذا القبيل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة"... قدم الإعلان أيضا تفصيلا واضحا لتعريف أفعال العنف ومصادرها في مادته الثانية: "يفهم العنف ضد المرأة بأنه يشمل على سبيل المثال لا الحصر: العنف البدني والجنسي والنفسي في الأسرة بما في ذلك الضرب والتعدي على الأطفال الإناث والعنف المتصل بالمهور واغتصاب الزوجة وختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال... العنف البدني والجسدي والنفسي في المجتمع بما في ذلك الاغتصاب والتعدي الجنسي والمضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل والمؤسسات التعليمية وأي مكان آخر والاتجار بالنساء وإجبارهن على البغاء... والعنف الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه أينما وقع"...

في السعودية قائمة الممارسات العنيفة ضد النساء والمرتبطة بالتقاليد والأعراف معقّدة: مثل الزواج والتطليق القسري...الحبس في المنزل... اللعان وهو شائع ضد الطفلات بقيام الأب بإنكار نسب الطفلة في المحكمة وبالتالي تحرم من مجموعة من الحقوق والمرتبطة بإثبات النسب... والختان اللي أيضا شائع بين بعض الفئات عندنا... وحجب الوثائق الرسمية أو استغلال اسم المرأة في المعاملات التجارية... أو التنمر الالكتروني والابتزاز ... أو ملاحقة ومطاردة النساء في الشوارع مثل ما شفنا في حادثة فتاة جدة الشهيرة وغيرها...

محدودية تعريف العنف في الأنظمة والممارسات تقود إلى ضعف أدوات التدخل والاستجابة... وبالتالي إلى لجوء النساء إلى وسائل خطرة للإفلات من العنف…

٢. إشكاليات التدخل والمساعدة

كانت هذه دينا علي أثناء محاولتها منع شرطة المطار في الفلبين من إعادتها قسرا إلى الرياض بعد هربها من السعودية…

دور أجهزة الدولة أساسي في مكافحة العنف ضد النساء… وعلى أن نظام الحماية من الإيذاء نصْ على توفير خط ساخن للبلاغات وملاجيء للمعنّفات إلا أن ذلك لم يحل المشكلة للكثير من المعنّفات... ولا نعرف الكثير عن كيفية التدخل لحماية النساء بعد استلام البلاغات ولكن نعرف مدى انتشار العنف بحسب خبر منشور عن تلقّي مركز البلاغات ١٩١٩ لأكثر من ١٩ ألف بلاغ في عشرة أشهر... أي بمعدل ١٩٠٠ بلاغ عنف أسري في اليوم الواحد وفي منطقة واحدة... ولذلك يعتبر العنف أولوية كبرى في مجال الصحة العامة... محدودية الخدمات المقدّمة وامتلاك المعنّف سواء كان ولي الأمر أو الكفيل لمجموعة من الصلاحيات للتسلّط على المرأة يصعّب من وصول المعنّفات إلى المساعدة... فعلي سبيل المثال لا يوضّح النظام ماهو قياس الخطر اللي تستخدمه موظفات الخط الساخن في تحديد من تستحق الحماية والتدخل... كما لا يمكن للملاجيء استضافة الأطفال الذكور الأكبر من ٧سنين مع المعنّفة ولا استضافة المعنّفات من جنسيات أخرى... ولا يمكن الخروج من الملجأ في أحيان كثيرة إلا بصحبة محرم للمرأة...

وهذا يقودنا لأهمية تجارب النساء وأصواتهم في صياغة أي استجابة لحالات العنف... وللنسوية دور كبير في كل مراحل الوقاية... سواء الوقاية الأولية في تقديم خطاب ونقاش عام يكشف ماهي ممارسات العنف السائدة… ويوضّح مدى ضعف القوانين وآليات الاستجابة… ويدعم خطاب المساواة بين الجنسين... للنسوية دور في الوقاية الثانوية أيضا في في وضع تجارب المعنّفات كأولوية في صياغة سياسات وقوانين وآليات التدخل والحماية الرسمية... ولها دور أيضا في الاستجابة المتقدمة... في إنشاء ملاجيء أو حملات لقضايا معينة أو توفير وسائل دعم أخرى للمعنّفات...

ولكن ذلك العمل المدني الحيوي محاصر في الداخل...

يعيدنا كل ذلك إلى مشكلة هروب الفتيات من بيئات العنف برغم الخطر الشديد عليهم في الداخل أو الخارج… بعد زيارة نادرة للمقررة الأممية الخاصة بالعنف ضد المرأة للسعودية في ٢٠٠٨ تطرقت إلى ولاية الرجل على المرأة كمسبب أساسي لهرب الفتيات... ذكرت المقررة  في تقريرها أنه كان هناك ١٣٠٠ فتاة هاربة في مقار لحبس الأحداث ومنهم عايدة... وضعت المقررة قصتها: "والدي عسكري متقاعد ومدمن للكحول، عنّفني منذ صغري... وتوفيت والدتي في المستشفى بسبب الضرب والحروق…و لما اتهمنا أنا وأخواتي والدي بالتسبب في وفاتها أجبرنا على تغيير شهادتنا... ضربني بالسلاسل والسيف واغتصبني… وهربت وعشت في الشارع…  حتى ألقت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القبض علي وأحضروني للملجأ... ولكن والدي أبلغ الشرطة أني هاربة وقضيت أسبوعا في السجن… ولم تقبل المحكمة دعواي ضده بالاغتصاب وركزت على قضية الهرب… وقد رفض والدي استلامي حتى أبقى في الملجأ مع أختين لي… لازلت أخشى على أختي الصغرى والتي بقيت مع والدي"... ذكر التقرير أيضا أن الاغتصاب لا يناقش علنا لخشية الضحايا من لوم المجتمع لهم وإقصاءهم...

آمنة الجعيد اللي تحدثنا عنها في بداية البودكاست كانت واحدة من النساء الي هربوا بداخل البلد… واللي استطاعوا العمل والكسب بمعزل عن أولياء أمورهم حتى تم القبض عليهم بتهمة التغيب... وهذا اللي دفع عدد كبير من الشابات لسلوك وسائل خطرة للهرب خارج الدولة والتعرض لاحتمال إعادتهم بالقوة...

أغلب الناشطات يحاولن توضيح مخاطر الهرب للخارج للنساء... وذلك بسبب تعقيدات أنظمة الهجرة واحتمالية توقيفهم في ظروف صعبة أو حتى إعادتهم للسعودية..

وبالطبع تمت إعادة عدد من السيدات اللي حاولوا الهرب بالقوة إلى السعودية... وبحسب بعض الحالات كانت الإعادة تتم عبر تواصل مباشر بين سلطات السعودية وسلطات الدولة المضيفة...

حالات الهرب والعنف مستمرة بالرغم من الإصلاحات المعلنة ومن رصد الأجهزة لمدى شيوعها وأسبابها... فعلى سبيل المثال في دراسة لبرنامج الأمان الأسري المعني بمكافحة العنف شملت ١١٩٩ مواطن ومواطنة أكّد ٦٦٪ من المشاركين أن المعنفات لا يقمن عادة بالتبليغ … ورصدت الدراسة أن أقل فئات المجتمع وعيا بالعنف هي الجهات الرسمية… واللي من المفترض تكون خط الاستجابة الأول للحماية... وجدت الدراسة أن ٢٣٪ من منسوبي المحاكم الشرعية و٣١٪ من منسوبي رجال الشرطة والأمن كانوا أقل الفئات وعيا بمشكلة العنف ضد النساء…

٣. دور الدولة في العنف

بالتالي دور الدولة في مكافحة العنف ضد النساء لايتم فقط عبر توفير الموارد والحماية الملائمة للناجيات... أو ردع المعنفّين عبر أوامر عدم الاقتراب أو المراقبة أو العقوبات الأخرى... لكن عبر إصلاح القوانين الغامضة واللي تسمح بمرونة الإفلات من العقاب... كالعقوبة المخففة في حال كون المعنّف عائلا لأطفال... كما حدث في قتل أب لزوجته دهسا في الرياض... والدور الأساسي للدولة هو في توفير مناخ آمن للعمل المجتمعي... ولحماية مساحات حرة للنساء لإبراز تجاربهم مع العنف... وللقضاء على ثقافة الصمت وإشعار الناجيات بالعار ولومهم... وهو الحراك اللي كانت تقوده الناشطات بشكل حذر…

هذه التوصيات قدمتها اللجنة الأممية لإنهاء أشكال التمييز ضد النساء للسعودية... أوصت اللجنة الأممية السعودية بتعديل قانون الجمعيات والمؤسسات لضمان بيئة تمكن من تأسيس الجمعيات النسائية وحرية مشاركة النساء في الحياة السياسية والعامة... وردت السعودية في ٢٠٢٠ بأنها سعت إلى إيجاد مناخ ملائم وبيئة مؤاتية تمارس فيها هذه المؤسسات عملها باستقلالية... كان رد هزلى بالطبع… لأن السعودية لم تذكر معاقبة الناشطات على طلب تصريح لإنشاء ملجأ للمعنفات أو رفضهم لطلب نسيمة السادة والمعتقلة حاليا منذ ٢٠١٨ لإنشاء جمعية حقوقية نسوية... ولم يكن هناك أي رد منطقي على توصية اللجنة بتعريف وتجريم العنف ضد النساء بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الزوجي وأشكال الاعتداء الجنسي الأخرى... بالإضافة إلى العنف الاقتصادي...

يعرّف الاغتصاب في المحاكم السعودية بأنه من الحدود... وفي ١٩٨١ أجازت فتوى عن تعريف الحرابة -وهي حد يشمل السطو المسلح وقطع الطريق- أن تشمل أيضا الاعتداءات ذات الطابع الجنسي...  ويلزم إثبات الاعتداء الجنسي شاهدين أو تقديم اعتراف من المتعدّي... وإلا فيمكن للقاضي النظر فيها بحسب ما يراه وفق مبدأ التعزير... مما يصعّب من إثبات الاغتصاب بكل أشكاله في المحاكم السعودية... بناء الوعي حول ما يحدث بالفعل في المحاكم ونشره بهدف التوعية والتغيير والإصلاح أمر مهم لمواجهة العنف اللي ترعاه أجهزة الدولة... إما عن جهل بالعنف ضد المرأة -كما أوضحت دراسة برنامج الأمان الأسري- أو بسبب قناعات ذكورية للقضاة يعززها إرث ديني متحيز... وفي كلتا الحالتين لا بديل لتعزيز أصوات النساء وإدماج تجاربهم باستمرار في الثقافة والأنظمة وآليات الاستجابة... سواء كن ناشطات أو ناجيات...

خاتمة…

شاركونا برأيكم عبر هذه الطريقة الآمنة و بدون اسم أو هوية... تجدون التعليمات على حساب تويتر "بودكاست السعودية العظمى."... أنتج هذا البودكاست بدعم من منظمة العفو الدولية... الآراء الواردة فيه مستقلة ولا تمثل بالضرورة رأي منظمة العفو الدولية... أنا هالة الدوسري وألقاكم على خير في الجزء الأخير من هذا الموسم … واللي نناقش فيه أفكار وآراء حول النسوية والحراك النسوي في السعودية بشكل عام...